الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة عرض الجمعة 26 جويلية بمهرجان الحمامات: "الألباتروس" للشاذلي العرفاوي.. معالجة مسرحية للهجرة غير النظامية

نشر في  29 جويلية 2024  (11:49)

 أصوات النوارس تعم الأرجاء، فيما يعلو صوت الأمواج ويغدو ركح مسرح الحمامات قطعة من البحر بفعل المؤثرات البصرية، في عرض مسرحية "الألباتروس" للمخرج الشاذلي العرفاوي. 

"الألباتروس" عمل مسرحي آخر يستقبله ركح مهرجان الحمامات الدولي ضمن برمجة الدورة الثامنة والخمسين، وهو من إنتاج مسرح أوبرا - تونس وأداء كل من فاطمة بن سعيدان وعبد القادر بن سعيد وعلي بن سعيد ومريم بن حميدة وملاك الزوايدي. 

من أحلام الشباب الحالمين بغد أفضل على الضفة الأخرى من المتوسط، من رحلة البحث عن سبيل إلى ركوب البحر، من عمليات الهجرة غير النظامية يستمد "الالباتروس" تفاصيله ليقدم معالجة مسرحية لظاهرة "الحرقة". 

انطلاقا من العنوان يوغل المخرج الشاذلي العرفاوي المشاهد في ملابسات عمليات "الحرقة" إذ يستلهمه من من النوارس الشاهدة على غرق المراكب التي أثقلتها أحلام المهاجرين. 

خمسة أشخاص سادسهم زورق حطمته أمواج البحر المتلاطمة يرسمون ملامح ملحمة البحث عن المفقود والمنشود في طرح مختلف فنيا وجماليا ينطلق من أحداث واقعية ومن فيديوهات توثيقية. 

الشاعر والصحفية والأم والأخ وامرأة سمراء، شخصيات شكل بها المخرج الشاذلي العرفاوي لوحة فسيفسائية تتشكى على وقعها معاناة الإنسان والفنان في واقع يتسم بالسوداوية والأفق الضيق. 

وفي شخصيتي الصحفية "نجيبة" والأم "زعرة"   لفتة لنقيبة الصحفيين الراحلة نجيبة الحمروني ولزعرة السلطاني التي ذبح الإرهابيون إبنيها، ومنها انفتحت المسرحية على موضوعات أخرى تتشابك وتتداخل مع الهجرة غير النظامية. 

من الموت والعدم تنتفض الشخصيات وتنبض أجسادها رفضا وثورة، لتتخذ المسرحية منحًا تصاعديا تكثف معه الوجع على إيقاع الغوص في دواخل الشخصيات المثقلة بالهواجس والأحلام. 

وفي عرض مسرحية "الألباتروس" في مسرح الحمامات، صار صوت الأمواج جزءا من السينوغرافيا مما أضفى مزيدا من الصدق والواقعية في تفاصيل العمل الذي يقوم على طرح سوسيولوجي نفسي لظاهرة "الحرقة" ويحمل في ثناياه بعدا توعويا. 

الإرهاب، شاحنات الموت، معاناة العاملات الفلاحيات، المعالجة السياسية والإعلامية للحرقة، وغيرها من المواضيع تولت عن فعل الهجرة وتواترت والأجساد تصارع الأمواج هربا من الغرق. 

رؤية جديدة للهجرة غير النظامية التي تناولتها الفنون عموما والمسرح على وجه الخصوص، تنهل من روافد فنية مختلفة ؛ الرسم والغناء والكوريغرافيا والسينما، لتخلق مسرحية بهوية خاصة مختلفة ومغايرة  لما سبقها.

وفي المسرحية التي رأت النور ضمن مشروع "أكاديميا" التونسي الإيطالي، تتكلم الشخصيات وترقص وتغني وتسرد تفاصيل المغامرة إلى الضفة الأخرى، مغامرة البحث عن المفقود، مغامرة ذات أبعاد عميقة. 

المسرحية البسيطة في شكلها، عميقة في معانيها، إذ تطرح عديد الأسئلة حول أسباب الهجرة غير النظامية ومآلاتها وتدعو إلى التفكير في إنسانية الإنسان التي تتداعى حينما يتعاظم الظلم ويتلاشى العدل.